روائع مختارة | قطوف إيمانية | في رحاب القرآن الكريم | وما أنزل إلينا.. وما أنزل علينا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > في رحاب القرآن الكريم > وما أنزل إلينا.. وما أنزل علينا


  وما أنزل إلينا.. وما أنزل علينا
     عدد مرات المشاهدة: 2486        عدد مرات الإرسال: 0

في القرآن الكريم عدد غير قليل من الآيات المتشابهة الألفاظ، بَيْدَ أنها اختلفت في اليسير منها، لمعنى قد يظهر لنا وقد يخفى.

وقد يخفى ماضياً، ويظهر مستقبلاً، وقد يستبين للبعض، ويخفى عن آخرين، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

ومن هذا القبيل آيتان وردتا في القرآن الكريم:

أولاهما: قوله سبحانه: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} (البقرة: 136).

ثانيهما: قوله تعالى: {قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} (آل عمران: 84).

هاتان الآيتان الكريمتان اتفقتا في معظم ألفاظهما، واختلفتا في لفظين، وإن شئت قل: في موضعين:

الأول: أن الآية الأولى عُدِّي الفعل {أنزل} بحرف الجر (إلى) = {.. أنزل إلينا وما أنزل إلى.. } ، في حين أن الآية الثانية عُدِّي الفعل {أنزل} بحرف الجر (على) = {.. وما أنزل علينا وما أنزل على.. } .

الثاني: أن الفعل {أوتي} تكرار في آية سورة البقرة، ولم يتكرر في آية سورة آل عمران.

ويتحصل من اختلاف الألفاظ في هذين الموضعين في الآيتين سؤالان:

- هل لاختيار (إلى) مع قوله: {أنزل} في سورة البقرة، واختيار (على) مع {أنزل} في سورة آل عمران فائدة توجب اختصاص كلٌّ منهما ما عُدِّي به من حرف الجر؟

- لِمَ تكرر الفعل {أوتي} في سورة البقرة، ولم يتكرر في سورة آل عمران؟

والجواب على هذين السؤالين وفق الآتي:

أولاً: أن أول آية سورة آل عمران التي تعدى الفعل فيها بحرف الجر (على) هو قوله تعالى: {قل آمنا بالله}، بينما أول آية سورة البقرة التي تعدى الفعل فيها بحرف الجر (إلى) هو قوله تعالى: {قولوا آمنا بالله}.

وبيان ذلك: أن حرف الجر (على) موضوع لكون الشيء فوق الشيء، ومجيئه من علوٍّ، فهو مختص من الجهات الست بجهة واحدة، هي جهة العلوِّ. بينما حرف الجر (إلى) موضوع في الأصل لبيان الغاية والانتهاء إلى الشيء، ويكون المنتهى إليه من الجهات الست كلها.

وإن توجه نحو الشيء شيءٌ عن يمينه أو عن شماله، أو من أمامه أو من خلفه، أو من فوقه أو من تحته، فإنه إذا بلغه يقال فيه: انتهى إليه، فلا يتخصص حرف الجر (إلى) بجهة واحدة، كما يتخصص حرف الجر (على) بجهة الفوقية والعلو.

ففي قوله تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم.. } ، تعدى الفعل {أنزل} بحرف الجر (إلى)؛ لأن الآية مصدَّرةٌ بخطاب المسلمين، فوجب أن يُختار لها حرف الجر (إلى). فالمؤمنون لم ينزل الوحي في الحقيقة عليهم من السماء.

وإنما أنزل على الأنبياء أولاً، ثم انتهى من عندهم إليهم. فلما كان قوله: {قولوا} خطاباً لغير الأنبياء، وكان لأممهم، كان اختيار (إلى) أولى من اختيار (على). ثم جُعل ما عُطف عليه على لفظه؛ لحق الإتباع، وإن صح فيه معنى الانتهاء.

ولما صُدِّرت الآية في سورة آل عمران بما هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو قوله سبحانه: {قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم.. } ، كان حرف الجر (على) أحق بهذا المكان؛ لأن الوحي أنزل عليه.

ثم إن في لفظة {أنزل} دَلالة انفصال الشيء من فوق إلى أسفل، وأن يقرن إليه ما يشاكله فيما يستحقه من المعنى أولى، وإن كان القرآن قد نطق بجميع ذلك في الأنبياء صلوات الله عليهم وفي غيرهم، كقوله سبحانه: {نزل عليك الكتاب بالحق} (آل عمران: 3)، وقال بعده: {هو الذي أنزل عليك الكتاب} (آل عمران: 7)، وقال في موضع آخر: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق} (المائدة: 48).

فالمُنْزَل على الأنبياء صلوات الله عليهم مُنْتَهٍ إليهم؛ فلذلك صح تعدية الفعل {أنزل} بحرف الجر (إلى)، إلا أن حرف الجر (على) أصلها، إذا كان القصد بيان من نَزَل الوحي عليه، وشَرِكةُ الأمة في اللفظة له مجاز لا حقيقة. والتعدية بحرف الجر (إلى) في ذكر (الإنزال) المتعلق بأمم الأنبياء أشبه بحقيقة معناها من (على)؛ فلذلك خصتا في الموضعين باللفظين المختلفين، وجعل ما بعدها يجري مجراها كما يجب في الإتباع.

هذا ما ذكره الخطيب الإسكافي بخصوص السبب في تعدية الفعل {أنزل} في آية سورة البقرة بحرف (إلى)، وتعديته في آية سورة آل عمران بحرف الجر (على).

وذكر ابن عاشور شيئاً قريباً مما ذكره الإسكافي، وحاصل ما ذكره، أن الفرق بين الآيتين أن المخاطب في آية سورة آل عمران هو النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليقول ذلك بمسمع من الناس: مسلمهم، وكافرهم؛ ولذلك قال: {وما أنزل علينا}، أي: أنزل علي؛ لتبليغكم، فجعل إنزاله على الرسول والأمة؛ لاشتراكهم في وجوب العمل بما أنزل.

وعدي الفعل {أنزل} بحرف (على) باعتبار أن (الإنزال) يقتضي علواً، فوصول الشيء المنزَل وصول استعلاء، وعدي الفعل في آية سورة البقرة بحرف الجر (إلى) باعتبار أن (الإنزال) يتضمن الوصول، وهو يتعدى بحرف الجر (إلى).

وقد ضعَّف الرازي ما ذكره الإسكافي، ووصف ما ذهب إليه بالتعسف، وارتأى أن المرجع في هذا الاختلاف إلى وجود المعنيين جميعاً في كلا الحرفين (إلى) و(على)؛ لأن الوحي ينزل من فوق، وينتهي إلى الرسل، فجاء تارة بأحد المعنيين وتارة أخرى بالآخر.   

ثانياً: فيما يتعلق بتكرار الفعل {أوتي} في آية سورة البقرة، وعدم تكراره في آية سورة آل عمران، يقال: إنما اختصر في آية سورة آل عمران؛ لأن الآية صُدِّرت بآية قبلها، هي قوله سبحانه: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة} (آل عمران: 81).

فقدَّم ذكر (إيتاء) الكتاب، واكتفى به عن التكرار في الموضع الذي كرر فيه في آية سورة البقرة على سبيل التأكيد، وبيان ذلك: أن الآيتين في سورة البقرة وسورة آل عمران مبنيتان على ذكر عهد الله إلى الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه، وما أخذ عليهم من المواثيق في تبيين ما أنزله إليهم للناس، وقوله سبحانه في سورة البقرة: {وما أوتي النبيون}، هو قوله تعالى في سورة آل عمران: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين.. }.

من حيث المعنى، فلما تقدَّم هذا في آية سورة آل عمران، وجاء بعدُ: {وما أوتي موسى وعيسى} اكتفى عن إعادة: {وما أوتي النبيون} بالذكر المتقدم، ولما لم يتقدم في آية سورة البقرة ذكر (إيتاء) النبيين ما أوتوا من الكتب، لم يكن فيه ما يغني عن التأكيد بإعادة اللفظ، هذا الفرق بين الموضعين. والله الهادي إلى الصواب.

المصدر: موقع إسلام ويب